Wednesday, December 12, 2007

كرسى فى الكلوب .. قصة قصيرة

كرسى فى الكلوب
ليل جديد
لسبب ما أصبح يشعر أن حياته كلها أصبحت ليلا طويلا ..
حتما ليس السبب أنه ينام نهارا ويمارس حياته ليلا ..
ربما لأنه يحب السكون والهدوء والتأمل .. وهى أشياء من الصعب أن يجدها إلا ليلا ..
عندما يحنو العالم عليه ويقرر أن يعطيه فرصة ليفهمه ..
لذلك فقد كان أول ما شعر به عندما تطلع من نافذته الى الشارع ووجدهم ينصبون أعمدة خشبية بطريقة منظمة ويصلون كل عمودين رأسيين بثالث أفقى يرتفع عن الأرض بطول العمود الرأسى ويربطون كل نقطة يلتقى عندها عمودين بأحبال ليفية خاصة تجبر العمودين على أن يحتمل احدهما الآخر رغما عنه ..
عندما رأى كل هذا أدرك أن الليلة ستكون سوداء بحق ..
هذا فرح آخر ..
هو بطبيعته شخص مرح ، يحب المزاح والصحبة والود والتعارف بالآخرين ولكن .... يحب كل هذا عندما يختاره لا أن يجبره أحدهم عليه ..
وأحدهم هذا لم يكن واحد يسهل الفكاك منه .. ولكنها عائلة باكملها .. بل عائلتان..وكلتاهما تود أن تفرح بابنها أو ابنتها ولا تطيق أن ياتى شخص يحب الهدوء ليقول لهم فى بساطة ألا يفرحوا !!
ليس أمامه إذا إلا أن يستسلم للأمر الواقع ... ولتمر هذه الليلة ..
وفى سرعة من يريد ان يفعل أكبر قدر ممكن من الخيرات قبل الموت ، انشغل فى أشياء كثيرة يريد انهائها قبل أن يبدأ الفرح ..
وعلى الرغم من أن الصيف يعد دائما بليالٍ تبدأ متأخرة ، إلا أنه فى تماما السابعة مساء انطلقت المدفعية الثقيلة .. موسيقى أجنبية صاخبة تعلن أن الفرح قد بدأ ..
ولكن فجأة تلاشى الصوت فالتمعت عيناه فى أمل توارى سريعا عندما عاد الصوت محملا بأغنية عربية هذه المرة .. كان المطرب (هشام عباس) فى رائعته الخالدة (أسماء الله الحسنى) ..
"نسألك يا من هو الله الذى لا اله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس ....... "
"لا اله إلا الله !!!"
هكذا هتف لنفسه وهو يضرب كفا بكف ..
ليست لديه مشكلة شخصية مع المطرب المذكور سوى أنه لا يحسن نطق بعض الحروف من مخارجها الأصلية ..
لكن تعجبه من سخافة العقول التى تصر على الجمع بين أسماء الله الحسنى وموسيقى (الهيفى ميتال) الصاخبة ..
وفى قرارة نفسه عرف ألا مجال الليلة للقراءة أو الهدوء ..
أمتدت يده الى جهاز التحكم عن بعد وضغط زر تشغيل التلفاز وهو يسمع صوت المطرب يقول "... الغااااافلووووووووووون " ...
وفى سرعة انطلقت أصابعه تقلب فى قنوات التلفاز حتى استقر أخيرا على قناة لم تكن يوما مملة ..
قناة الجزيرة ...
اخذ يقرأ شريط الأخبار المتحركة أسفل الشاشة وأحدهم يمسك بمسماع المكبر الصوتى ويردد
" العروسة! .. وكمان العروسة!! " ...
وفى قناة الجزيرة التى رفع صوتها الى أقصى درجة ممكنة ليتمكن من سماع مقدم البرامج يقول " هذا وقد حذر رئيس الوزراء الفلسطينى اسماعيل هنية من محاولات الصهاينة المستمرة لتهويد القدس العربية وأكد أيضا أن .... "
كانت تحية العروس قد أنتهت وانطلق فاصل غنائى لمطرب ما ...غالبا هو سعد الصغير ...هو قادر على تمييزه الآن ...كانت أغنية من أحد أفلامه يغنى فيها لحماره ويقول " بحبك يا حمار ..."... بعد أن ساهم التلفاز المصرى فى شهرته ...
" وفى العراق مازال مسلسل الجثث المشوهة مجهولة الهوية مستمرا بينما يؤكد الرئيس الأمريكى أن بقاء القوات الأمريكية فى العراق غير محدد بوقت .." ..
لا يعرف كم مضى من وقت وهو جالس أمام التلفاز يشاهد الجزيرة بينما يقتحم صوت الفرح رأسه وعقله دون استئذان ..
"ودلوقتى معادنا مع فكهة السهرة .. الراقصة اللولبية .. سنية " ..
"وفى لبنان مازالت الإشتباكات دائرة فى الجنوب بينما الصراع السياسى على أشده بين كافة الأطراف من أجل تشكيل الحكومة "
كان يتابع الأخبار فى الجزيرة بنصف عقل والنصف الآخر موزع ما بين الإشمئزاز من الفرح والبحث عن شيء يفعله ..
وفى ملل حقيقى أخذ يتابع نشرة الأخبار مختارا ، والفرح مجبرا ..
"وفى مصر حيث مازال التحقيق جاريا مع رجال الشرطة الثلاثة المتهمين بالقتل العمد لأحد المواطنين أثناء تعذيبه ..."
"أسمع اجمل سلام للمعلم عبد الجبار .. يعنى المزاج وآخره .. والليل بطوله .. والنهار اللى منعرفوش .. وووش "
" كما أكد سيف الإسلام القذافى على أن الإهمال هو المتهم الأول فى قضية الممرضات البلغاريات و... " ...
"ماذا؟!!!"
.. هكذا هتف لنفسه ذاهلا .. بعد كل هذا الشد والجذب ؟؟
" وسمعنى سلام من خاف سلم يا معلم .. يعنى الادب ..دب.. والأحترام ..اام.. والكبير اللى منقولوش لأ .. أء "
وفى مرارة حقيقية لا يعرف إن كان مصدرها الفرح أم الجزيرة وأخبارها ، امتدت يده الى زر جهاز التحكم ، ليغلق التلفاز وأندفع الى حجرته مستلقيا على فراشه وإن كان يعلم انه لن ينام ..
كيف ينام وفى اعماقه مشاجرة لا تكاد تهدأ إلا وتبدأ من جديد ..
ولكن عندما تناهى الى مسامعه تلك الأصوات القادمة من الشارع حيث الفرح أدرك أن مشاجرته الخاصة قد أنتهت ..
لقد بدأت مشاجرة حقيقية ..
أندفع الى الشرفة ودفع زجاجها فى سرعة وأزاح الستائر وهو يلقى ببصره عبر النافذة ..
لقد أنقلب الفرح الى شجار ..
وعلى الرغم منه علت شفتيه ابتسامة غريبة ..
أخيرا سيتمكن من القراءة ..
وسيحاول فهم العالم من جديد ..
تمت
أحمد رشاد
9/8/2007
القصة منشورة فى منتديات دار ليلى للنشر والإعلان والتوزيع هنا

No comments: